السبت، 29 مارس 2014

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الدعوة الوهابية)

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

المؤسس:
هو الإمام محمد بن عبد الوهاب (1115 – 1206هـ) صاحب الدعوة الإصلاحية في نجد التي اشتهرت بـ “الوهابية” 
ولد في بيت علم ودين في بلدة العيينة حيث كان والده قاضي العيينة، وكان الشيخ قوي الذهن فحفظ القرآن الكريم وهو صغير، ثم درس الفقه الحنبلي، ثم رحل في طلب العلم في الحجاز والعراق، وعاد إلى نجد سنة 1139هـ،
كان حريصاً على إصلاح الأوضاع في نجد بعد أن انتشرت الخرافات وعُبدت القبور، وكان له ما أراد بعد أن وقف بجانبه "محمد بن سعود" أمير الدرعية،ـ في عام 1157 هـ ـ حتى اتسعت الدعوة والدولة لتشمل نجد وغالب الجزيرة العربية، بل تأثر بها كثير من المصلحين في العالم الإسلامي. 
دعوته:
قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته للقضاء على الشوائب التي أدخلت على الإسلام في صفائه و نقاوته رغبة منه في تصحيح العقائد و تنقيتها من مداخل و البدع مثلما سار من قبله دعاة منهم أحمد بن حنبل ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الشام.. كلهم و غيرهم من أئمة الإصلاح و التجديد يخالفون البدع وما درج عليه أهل السنة و الجماعة.
         فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سلفية تصحيحية نبعت من وسط الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر في وقت كان المسلمون - لا في الجزيرة العربية وحدها بل في كل مكان أحوج ما يكونون إلى ما ينقذهم من الجهل الذي ران عليهم و تصحيح مفاهيمهم في أمور العقيدة و العبادات التي أشدها الجهل بأمور الدين و الإقتداء بعلماء يجهلون أمور دينهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق فيما يخشاه على أمته من العلماء المضلين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون و يضلون في قوله الكريم " إن الله لا ينزع العلم بعد ما أعطاكموه انتزاعاً و لكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال فيستفتون فيفتون برأيهم فيضلون و يضلون " مسلم.

        فقد جاءت دعوة الشيخ محمد لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب و تصحيح ما أدخل على التوحيد و خاصة توحيد الألوهية و توحيد الأسماء و الصفات من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو لله جل و علا مقروناً بالمخلوق في العمل و الاعتقاد و تعطيل أسماء الله و صفاته جل و علا أو نفيها و السير خلف تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان .
      فصار التوحيد بأقسامه الثلاثة : الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات مشوباً بما يكدره حيث دخل عليها في المعتقد ما يصرفها عن حقيقتها نظراً للتأثر بالمعتقدات البعيدة عن المنهج الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم الإقتداء بأصحابها بعد أن بهرهم القول و أعجبهم المظاهر و الدعوات لأمثال من قال الله فيهم { و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد } .
    وما ذلك إلا لأن النفوس خليت من العلم و الإدراك بما شرع الله لخلقه و معرفة الحكمة من إيجادهم للحياة .
     لقد نشأ عن ذلك الضعف العلمي و نقص في الإدراك و تقليد للأمم الغلبة و المؤثرة فكثرت الطرق الصوفية التي بدأت برغبة دينية و حرص على التبتل و المحافظة على الإسلام فكانت بدايتها طيبة و هدفها نبيل
   إلا أن الجهل و رغبة التوارث لهذه المكانة الاجتماعية التي جاءت باسم المنصب الديني قد جاء برجال لا علم عندهم و لا قدرة لديهم في فهم الشريعة الإسلامية في كثير من الأمور..
    و لكي يعود للإسلام نقاوته و صفاؤه من كل شوائب دخيلة عن جهل أو تقليد سواء من الديانة اليهودية أو النصرانية أو من جذور الجاهلية فإنه لابد من الامتثال لأمر الله جل و علا في مثل قوله سبحانه { و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى و لئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي و لا نصير } .
      و إن علماء المسلمين العارفين بأمور دينهم فهماً حقيقياً لهم الذين عليهم دور التوضيح و الإرشاد و التوجيه و التبيين حسبما يأمرهم بهذا مصدر التشريع في الإسلام كتاب الله و سنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة التي خدمنا فيها علماء الحديث المعروفون .
         و الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واحد من ذلك الجيش الذي انتهج طريقاً يتفق مع رسالة الصفوة الأولى من التابعين و اتباعهم بإحسان للإصلاح و العم فقد أدرك ما يعيش فيه مجتمعه من صوفية متطرفة رغم وفرة العلماء و ما سار عليه أبناء جلدته من تعلق بالقبور التي لا تنفع و لا تضر و تبرك بالأحجار الجامدة ووضع الكلام في غير محله .
     فكان الناس يتعقلون بتلك الجمادات طلباً للنفع أو دفعاً للضر و نسوا أن الله هو النافع الضار القادر على كل شئ و إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم .
ـــ لقد شق هذا الأمر عليه لما فيه من جرأة على الخالق بصرف القلب و العمل إلى غيره مع أنه هو المنعم و المتفضل سبحانه بكل شئ .
     و يمكن وصف حالة المجتمع الإسلامي في كل مكان ذلك الوقت و ليس في نجد وحدها
فكثرت البدع و الخرافات فالعلماء موجودون و لكنهم لا يرشدون الناس للطريق الأقوم بل أضلوهم و أفسدوا عقائدهم.
    و من هنا بدأت غيرة الشيخ محمد و تحركت همته للدعوة أداء لرسالة المعرفة و تنفيذاً لما يأمره به العلم حيث رأى أن العلم لا بد أن يقترن بالعمل و أن الأمانة توضيح ما خفي على الناس و ما يجب عليهم عمله و يتحتم عليه تركه من أمور هي من الإسلام تركت و أشياء أدخلت عليه و سارت في حياة الناس على أنها من مستلزمات العقيدة أو جزء من أوامر الدين و هم لا يدركون الحقيقة .
الدعوة الجديد و آل السعود:
     حرص آل سعود على نشر و تبلغ الدعوة لحكام المسلمين بالمكاتبات و بعث المندوبين اقتداء بأسلافهم في أداء الأمانة و تبليغ ما قاموا من أجله أخذاً من قول الله سبحانه : { و إنه لذكر لك و لقومك و سوف تسئلون } (سورة الزخرف آية 44 )
       فالإمام سعود بن عبد العزيز – و هو الإمام الثالث من الدولة السعودية الأولى – قد بعث بعدة رسائل يشرح فيها حقيقة التوحيد و أصول الدين الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم صافياً نقياً من الأمور التي أدخلت عليه و بلغه للناس بصدق و أمانة ، عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ،،من ذلك رسائل شمال أفريقيا : تونس و المغرب الأقصى و غيرهم ، لما ما دخل مكة في عام 1219 هـ
       و كانت هذه الرسالة توضح ما قام به الإمام سعود ووالده من قبل ليزيل ما قد يكون علق بالأذهان من أكاذيب قيلت عن الدعوة و نفاها الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبل وفاته..     
المعارضون:
        كان يقيناً أن تلقى هذه الدعوة التصحيحية السلفية جحوداً و نكراناً من المقربين العارفين و توجساً و خيفة من الآخرين المتطلعين و عداء من الخصوم و أرباب المصالح .
   و من هنا بدأت الاتهامات تتوافد و السهام تشرع و الأفكار تعمل لحبك الأكاذيب و اختراع الألقاب المنفرة .
     و هذا شئ ينتظر في كل أمر جديد و فكر مناهض لما ألفه الناس و ساروا عليه قولاً، و عملاً فقديماً قال عرب الجاهلية للنبي صلى الله عليه وسلم " إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون " .
      بل حتى بعض العلماء من نجد عارضوا الدعوة و ناوؤوها و خرجوا من نجد يحملون العداء للدعوة و الكذب عليها و تشويهها أمام المسلمين فاقتنع بكلامهم و دعواهم البعيدون و تأثروا بمقالاتهم بينما لم يعرفوا عن الدعوة شيئاً من غير هذا الجانب و لم يدركوا سبب الافتراء عليها و مبررات الكذب و البهتان ضد الشيخ محمد و دعوته.
الاستعمار . . و مواجهة الدعوة
      كما هي عادة أعداء الإسلام لا يدخلون في المواجهة مع الإسلام لمعرفتهم بعدم الصمود، و لكنهم يستغلون فئات من المنتمين للإسلام.
      أولاً/ فالإنجليز مثلاً لمسوا آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أعظم مكان يعتزون باستعماره و الاستيلاء على خبراته عندما تلقفها الهنود على يد الداعية الإسلامي : أحمد بن عرفان الشهير بأحمد باريلي ، و أتباعه و في حركات أخرى مثل " تيتومان "
      تلك الدعوات التي ناوأت القاديانية الكافرة التي أرادها الإنجليز واجهة إسلامية تحقق مآربهم و ينضوي تحتها من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه .
     و يظهر انزعاج الإنجليز و حرصهم على القضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تمثل يقظة جديدة في الدين الإسلامي و دعوة إلى فهمه من مصادر الصافية : كتاب الله ، و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم،،
       ثانياً/ الفرنسيون أيضاً لهم دور فقد أحسوا باهتمام الشمال الإفريقي بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و حرصهم عليها في مثل :
·       اهتمام سيدي محمد بن عبد الله العلوي ، سلطان المغرب الأقصى بها حيث قام بمحاربة البدع و الانحراف،و يدعوا إلى العودة إلى الاجتهاد و إلى السنة
·       و قد تحث الباحثون عن الحركة السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي و أنه تأثر بها عندما كان يطلب العلم في مكة
المنصفون:
      أما في بعض ديار الإسلام فهناك أصوات منصفة قالت الحق عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل :
- الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان".
- الشيخ محمود شكري الألوسي العراقي في كتاب ألفه عن تاريخ نجد .
- الشيخ أحمد بن سعيد البغدادي – العراقي في كتابه " نديم الأديب " .
ـ الشيخ جمال الدين القاسمي ، و الشيخ عبد الرازق البيطار ، و الشيخ طاهر الجزائري ، و الشيخ محمد كامل القصاب في أرض الشام
ـ هذا إلى جانب آراء كثير من العلماء مثل :
السيد محمد رشيد رضا في كتابه " محاورة المصلح و المقلد ، و كتابه الآخر " الوهابيون و الحجاز " . و محمد كرد علي ، و شكيب أرسلان، وعلي الطنطاوي ، و الزركلي ، و عبد المتعال الصعيدي في " المجددون " ، و حامد الفقي في " أثر الدعوة الوهابية "، و الدكتور أحمد أمين في " زعماء الإصلاح ، و محمد قاسم في " تاريخ أوروبا و مناع القطان في دعوة الإسلام " ، و عبد الكريم الخطيب في " محمد بن عبد الوهاب "، و مسعود الندوي في كتابه " مصطلح مظلوم و مفترى عليه " ، و الدكتور محمد جميل غازي في كتابه " مجدد القرن الثاني عشر ، و أمين سعيد في كتابه " سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب "، و مسلم الجهني في كتابه " أثر حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي " و غيرهم كثير جداً .

من أقواله رحمه الله:
ü     (لست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمّته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني، بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنّها على الرأس والعين، ولأضربنّ الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق..)
ü     (ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع)
ü     (وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات، والأقوال والأفعال. قال الله تعالى: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على فاعله كائناً من كان..)
ü     (وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله)
ü     (.. الواجب عليهم حبهم وأتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين)

تقييم:
قام بعض الدارسين لهذه الدعوة  ببحوث موضوعية وخرجوا بنتيجة:
1-    أنها ليست حزباً له تنظيماته: و إنما هي تجديد لدين الله على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه الكرام و سلف هذه الأمة الأخيار.
2-    أنها ليست مذهباً يخالف به معتنقوه المذاهب الفقهية المعروفة .
3-  أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب سلفي العقيدة شأنه شأن من يدعو إلى منهج السلف الصالح في كل عصر و مصر ، يدعو إلى توحيد الله و إخلاص العبادة له سبحانه .
4-  أما مذهبه في الفروع فهو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل مثلما أن هناك أحنافاً سلفيون و شوافع سلفيون و مالكية سلفيون .
5-  ان مما أساء للدعوة بعض المتعصبين و المتشددين من أبناء الدعوة ،بالكتابة و الخطابة،خاصة عند التعرض لمذاهب الناس و مرجعياتهم،أو بالتعميم في نقد التصوف و الحركات الصوفية..

وختاماً فهذه دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوة إصلاحية موافقة للقرآن والسنة متبعة مذهب أهل السنة والجماعة، ودعاتها أرادوا تنقية الدين وتجديده من الشرك والبدع والتقاليد الجاهلية، وهم كغيرهم من البشر ليسوا معصومين، قد يقع منهم الخطأ، ولكن من العدل أن توزن الأمور فمن طغى خيره وصلاحه وإصلاحه عذر فيما وقع منه من الأخطاء البسيطة التي هي من ضرورات البشر.



([1])بالنسبة إلى كلمة (الوهابية) فإن الكثير من الخصوم أطلقوا هذا اللقب على أتباع دعوة ابن عبد الوهاب ،ويريدون بذلك توهيم الناس أن الوهابية مذهب جديد أو مستقل عن سائر المذاهب الإسلامية،
([2]) انظر الكتب التي ألفت عن الشيخ ومنها: “عنوان المجد في تاريخ نجد”، عثمان بن بشر النجدي ،
السعودية 1973، “الشيخ محمد بن عبدالوهاب عقيدته السلفية“، أحمد بن حجر آل بو طامي، السعودية 1974، و “محمد بن عبدالوهاب مصلح مظلوم مفترى عليه”، مسعود الندوي، السعودية - 1984م. تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية، محمد بن سعد الشويعر،
([3])  رواه البخاري عن عروة عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
[7] - انظر انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية تأليف محمد كمال جمعة ص 63 – 87 .

ليست هناك تعليقات: