منذ الحركة الثورية التي دعت إلى الإصلاح
الديني – المسيحي – في أوربا ليتقبل العقل الغربي تعاليم كنيسته التي تفرقت
واختلفت في :
* تعاليمها الرئيسية.
* وتشريعاتها السلوكية.
* ومناسباتها الدينية.
منذ ذلك الحين والمفاهيم الدينية يحوطها
ضباب كثيف... حتى صارت فكرة التجديد الديني "موضة" يتعشقها المارقون على
الدين، ويقبلها السذج في العاطفة والثقافة، والعقيدة.
ومن غير تردد، فإن كل فكرة تدعو إلى التجديد
في الدين في الشرق الإسلامي أو يكون فيها تطاول على سدنته، وعلمائه، هي دعوة
تقليدية للعمل الأوربي القديم الذي حطم كبرياء الكنيسة في ظل الثورات الدينية،
والعسكرية، للدوافع الاجتماعية والسياسية والنفسية، التي ربما كانت تقتضى ذلك.
وليس أدل على تفاهة موضوع ما، يدعو به إنسان
ما، مهما كانت قيمته العلمية من أنه ينتحل أسلوبا لغيره في زمن لا يسعفه الوضع
الاجتماعي، ولا التهيئة النفسية المستقيمة لقبول منطقة. ويدعي – مغالطة – أصالة
دعوته، ويا ربما استقر في عقله الباطل إشراك بما يتوهمه عقله الظاهر المقلد.
ومن أمثاله، تلك القضايا – في شرقنا المسلم
– أصحاب دعوة التجديد الديني في الإسلام، الذين يتعبون أنفسهم، وأقلامهم، في شرح
مفاهيم فكرتهم بحجة سماحة الإسلام ويسره.
ولقد كان ينبغي لأصحاب هذه الدعوة أن
يستعرضوا كتاب الله الكريم، ليروا مقدار ما يكون لدعوتهم من البوار، أو الرواج،
عندما تحدد مفاهيم التجديد الديني، تلك القصاصة التي نقلوا عنوانها من أحداث أوربا
في عهدها المظالم القاسي إلى حياتنا المعاصرة في ظل الإسلام الحنيف .
وبوضوح فإن القرآن يحدد :
1- "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة
إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
".
2- وأنه لا مجال للتشريع
بالرأي ما دام هناك نص عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقضي بذلك القرآن
الكريم : "ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا ".
3- وأن الجهة الخاصة
بالتشريع للأمة هي ما توضحها الآية الكريمة : " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو
الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه
منهم "فجهة التشريع، والفتوى خصصها القرآن بطائفة محددة:
إنها الجماعة التي هيأ الله لها :
1-وضوع المعرفة الدينية.
2-والفقه اللغوي للعربية
الفصحى، وإدراك سر المعاني.
3- والأمانة العلمية الدقيقة.
4- والسلوك الديني الرفيع.
5-والغيرة على ربط الحياة
في مجرياتها، للفرد والجماعة، والأمة بقواعد الإسلام: نصوصه، وروحه.
وهذا النسق الأصولي للتشريع الإسلامي مراده
ربط حياة المسلمين في كل زمان ومكان بثقافتهم التي افتتحها الله تعالى لهم بالقرآن
الكريم، وغذاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة الإسلامية المطهرة.
وإذن: فكل تطاول على مفاهيم التشريع
الإسلامي وأصوله، وأئمته، هو اعتداء على الثقافة الإسلامية الأصيلة في مجال
تطبيقها على أمتها.
والمعركة دائرة منذ التوسع الإسلامي في
الأندلس، ومناهضة البرتغال لهذه الحركة الإنسانية، بالاستيلاء على الموانئ
الإسلامية -في الشرق الأقصى – المعركة دائرة منذ ذلك لحين – حول تحطيم
الإمبراطورية الإسلامية.
من المفهوم جيدا أن أية أمة عظمى لا تدك
حصونها إلا يوم أن تتلاشى شخصيتها ومقوماتها.
ومقوم الأمة العربية، هو الإسلام بأصوله،
وفقهه، وأئمته.
ولهذا فقد أراد المخطط الاستعماري أن يزاوج
بين وسيلتي الاستعمار العسكرية والثقافية، ذلك أن أمر الاستعمار العسكري قريب
الأجل، أما الغزو الثقافي فإنه يستقر في الدم ويملك زمام العقل، ويسيطر على
الوجدان والسلوك . ومن هنا فقد ربى له مدارس خاصة تناهض الأمة الإسلامية مع زحمة
الحديد، وضغط الجيوش. والمتابعون لهذه الخطط يستطلعون هذا المكر في تيارات الهدم
من أبناء الشرق في حركات.
1-الشعر الجاهلي .
2-أصول الحكم في الإسلام.
3-ولدينا دعوة جديدة هي
التوأم الثالث وهي فكرة التجديد الديني وتستند كل ما تستند هذه القضية إلى مفهوم
خاص في معنى الإجماع.
وعلى أية حالة فإن دراساتها لكتب أصول الفقه
هي دراسة المبغض المتلمس وشيجة – في زعمه – واهية ليقطع بقية الأواصر والأوشاج.
والحق أن مفهوم الاجماع هو تنظيم الحياة
الإسلامية للأمة في حادثة جديدة ليس لحكمها نص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله
عليه وسلم بروح الشريعة الإسلامية. بحيث لا يكون هذا الحكم مفرخا لمشكلات أخرى لا
تتفق مع أحكام الشريعة أو تصطدم مع العقائد الأساسية في الدين، أو لا تتسق مع
أهداف الإسلام وأخلاقه.
ومعنى هذا : أن الإجماع الأول مفهومه حرص
دقيق على استمرار الحياة الإسلامية مرتبطة بمفاهيم ثقافة الإسلام الأولى، وإذن
فدعوى إحلال مجالس التشريع المعاصرة محل هذا الإجماع الشريف دعوة للتحلل من انتظام
حياتنا المعاصرة مع الحياة الإسلامية الأولى.
ويظهر هذا التحلل مع ما يذكر من علة "
أن الاجماع المعاصر شاهد مجداً من الحضارة والقانون والعلوم... إلخ لم يشهدها
الإجماع الأول ". ومعنى هذا : انتصار للثقافة الغربية في ميدان التطبيق على
الثقافة الإسلامية في عقر ديارها.
ومن جانب آخر: لو كان لأصحاب دعوة التجديد
الديني في الإسلام وضوح في إخلاص النية، لاتجهوا من فورهم بهذه الفكرة إلى الجهاز
الذي أقره " إجماعهم " الذي يؤمنون به في دعوتهم، ويعرضون عليه تفاصيل
ما يدعون إليه
فإن الدولة في نهضتها العربية المسلمة قد
أنشأت بالقانون رقم 103 لسنة 1961 مجمع البحوث الإسلامية.
1-لتستمر شعوب العالم
الإسلامي والأمم العربية متجه نحو قيادة الأزهر في مجال الدعوة الإسلامية.
2- ولتبعث من جديد مواريثنا
الثقافية القديمة.
3-ولتهذيب الثقافة
الإسلامية من الفضول والشوائب التي رماها بها الاستعمار الفكري الأوربي القديم
والحديث.
4-ولينشط العمل الإسلامي في
حياة الشعوب المسلمة على نظام من قواعد الإسلام ولتوضع له الحلول في كل ما يعن
لمجتمعاتهم من مشكلات.
ومعنى هذا : أن مجلس الأمة قد أعفى نفسه من
النظر في التشريعات الدينية وأنشأ لها جهازاً جمع فيه جهابذة العلوم الإسلامية والقانونية
والحضارة ليحقق ما انعقد عليه من آمال.
وأخيراً نقول لأصحاب فكرة التجديد إن الدولة
في تخطيطها الشامل لميادين الإصلاح قد ربطت العلماء وأصحاب الفكر بأجهزة يتوجهون
إليها كل في اختصاصه.
لولا أن سنة الأجداد لا تزال تتعب سلوك
الأحفاد إذن ما سطع نور الحق، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
إن هذه الشرق قد ولد على يد العقيدة وانتشر
في نهضة واسعة بعزة الإسلام وليس لتاريخه وحضارته سند إلا هذا الدين، فليرجع عنه
تلاميذ المخطط الاستشراقي العجوز وليخلعوا ثيابهم الخادعة بكلمة الإسلام، لتظهر
سوأة الإلحاد فإنه لا عاصم لهم من أمره الله. وبالله التوفيق.
** المصدر: مجلة الأزهر
(جمادى الآخرة 1384هـ= نوفمبر 1964م).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق